- طريق النجاحمشرف قسم
- الجنس : عدد المساهمات : 133
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
تاريخ التسجيل : 08/12/2012
العمر : 27
حول آيات العتاب في القرآن الكريم
السبت 08 ديسمبر 2012, 4:13 pm
الحمد لله الذي قدر فهدى ، وأنعم فأسبغ نعمه ظاهرة وباطنه ، والصلاة والسلام على خير الخلق صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه سلم تسليمًا كثيرًا ، وبعد :
فإن عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر لا خلاف عليه ، حيث يقول – تعالى – في شأن عنايته برسوله – صلى الله عليه وسلم - : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين}[المائدة:67].
ويقول – تعالى - : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم}[الطور:48].ويقول : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد}[الزُّمَر:36].
وتشير كتب السنة إلى حفظ الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – وإلى عصمة قلبه من الشيطان ، ومن الخواطر السيئة التي تأتي على قلوب البشر، وقد عصمه الله تعالى بالعلم واليقين والحكمة ، وينتفي عنه الجهل صلى الله عليه وسلم – أو الشك ، أو الارتياب.
وها نحن الآن نتناول بعض الأمور التي تقوَّل فيها بعض الناس على النبي – صلى الله عليه وسلم - وسنتناول هذه النقاط بشيء من التفصيل فيما يلي :
أولًا : مسألة الشك ومناقشتها :
يقول الله تعالى : {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[يونس:94].
فهم بعض الناس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – شك فيما أوحي إليه ، وقالوا: إن السورة نفسها ( سورة يونس) فيها ما يدل على هذا التأويل في قوله – تعالى - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين}[يونس:104].
وقوله – تعالى - : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزُّمَر:65].
وهناك تأويلات كثيرة للرد على هذا الفهم ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يخالف أمر ربه ، ولا يتقول على الله ما لا يجب ، ولا يضل قلبه ، ولم يكذب فؤاده صلى الله عليه وسلم - .
والمعنى – والله أعلم – أن الله – تعالى – يريد إعلام النبي – صلى الله عليه وسلم – بما بعث الله به الرسل ، وأنه تعالى لم يأذن في عبادة غيره لأحد ردًّا على مشركي مكة الذين قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[الزُّمَر:3].
وربما كان المراد أن الله تعالى يطلب من نبيه أن يسأل لكي يزداد طمأنينة وعلمًا على علمه ويقينه.
وقيل: إن كنت تشك فيما شرفناك وفضلناك به فاسألهم عن صفتك في الكتب ، وعن فضائلك المذكورة في الكتب السماوية .
وليس المراد أبدًا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشك فيما أوحى الله تعالى إليه ، وإنما المعنى أن الله تعالى يريد لنبيه أن يتثبت بغيره على طريقة قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:59].
أما قضايا التوحيد والشريعة ؛ فإنها لا تحتمل أي شك.
وفي الإطار ذاته فإن الذين يتأولون على الله تعالى ، وعلى نبيه في فهم سقيم يفهمون قوله تعالى : { وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين}[الأنعام:35].
وهذا أمر باطل ، فإن أقل الناس إيمانًا لا يجهل أن الله لو شاء لجمعهم على الهدى ؛ فكيف برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وإنما المقصود هنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يتشبه في الأمر بما كان عليه الجاهليون ، وهو تأكيد لحقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغ الرسالة بكل جهده ، وجَهده راجيًا أن يهديهم الله ، والله - تعالى – يقول له : لا تتعجل ، فهذه مشيئتي ، وتلك إرادتي ، ولذا قال – تعالى - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين}[الأنعام:35]. يعني بحقيقة أمر الهداية ، وأنها بيد الله – سبحانه وتعالى .
ثانيًا : الأوامر والنواهي للنبي – صلى الله عليه وسلم – في القرآن الكريم :
هناك آيات في القرآن الكريم اشتملت على جانب الأمر للنبي – صلى الله عليه وسلم – الذي يفهم منه بعض الناس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يفعل بخلافه ، وذلك مثل قوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ }[الأحزاب:1] ومثل قوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }[التحريم:9].
ومثل قوله تعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}[الأعراف:199].
لا ينبغي أن يفهم من هذه الآيات أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يكن من قبل يأخذ بالعفو ، ويأمر بالعرف ، ولم يكن متقيًا ، حاشا وكلا، بل إن هذه الآيات وأمثالها الأمر فيها ليس للابتداء، أو الإنشاء، وإنما هو للاستمرار على الحال الذي هو عليه ، والبقاء على الوصف الذي هو به ، فكأنه يقول : يا أيها النبي استمر على تقواك ، واستمر على خلقك الزكي من الأخذ بالعفو والأمر بالعرف، والإعراض عن الجاهلين ، ومجاهدة الكفار.
ذلك لأنه – صلى الله عليه وسلم – متصف بهذه الأوصاف ، ومتحقق بها ، بل إن بعضها هي من صفاته الخلقية التي اشتهر بها قبل البعثة ، فقد كان حليمًا كريمًا عفوًّا آمرًا بالعرف ، معرضًا عن الجاهلين كل الإعراض، ومن ذلك قوله – تعالى - : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}[النساء:105].
هذه الآية نزلت في قتادة بن النعمان في شأن متاعه الذي سرق ، وقد اتهم ببني أبيرق من المنافقين ، واتهم جماعة من المؤمنين ؛ فعاتبه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة .
قال : فرجعت ، ثم نزلت الآية .
وظاهر قوله : (خصيمًا) يفيد أنه كان يريد أن يميل للخائنين ، ويخاصم عنهم ، وحاشا أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، وهو الأمين ، والأمانة وصفه من قبل أن يكون رسولًا ، وهو العفيف المعروف بالعفة والنزاهة.
وهناك آيات أخرى فيها نهي للنبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك مثل قوله – تعالى - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[الأنعام:114] أي : استمر على يقينك ، وإيمانك ، وبعدك عن الشاكين المترددين ، ومنه قوله – تعالى - : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِين}[يونس:106]أي : استمر على إخلاصك في دعائك واستمساكك بالله ، واعتصامك به ، وهذا كله من باب الحث له – صلى الله عليه وسلم – وليس معناه أنه يفعل ذلك.
وهناك آيات أخرى في القرآن الكريم تأتي على سبيل الافتراض ، وقد فهمها بعض الناس على أنها حقيقية ، ومنه قوله – تعالى - : {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[يونس:94].
والمعنى هو ((إن فرض حصول الشك منك فاسأل الذين يتلون الكتاب)) ولكن ذلك محال، فلا يحصل ولن يحصل أبدًا .
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[الأنعام:116].
ومن ذلك قوله – تعالى - : { فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } [الشورى:24].
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزُّمَر:65]. فكل هذه الأمور افتراضيات محال وقوعها ، ولا يصح نسبتها إليه - صلى الله عليه وسلم – إذ لا يتصور عاقل مؤمن أنه – صلى الله عليه وسلم – يطيع من في الأرض ، وهو الذي أمر الله من في الأرض بطاعته ، قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[محمد:33].
ولا يتصور عاقل مؤمن أن يختم على قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – وهو الذي يختم على قلب من لم يؤمن به {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيم}[البقرة:7].
ثالثًا : قصة زواج زيد بن حارثة رضي الله عنه :
من ذلك قوله – تعالى – في قصة زيد بن حارثة : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}[الأحزاب:37].
فقد أخطأ بعض المفسرين في تفسيرها ، وقال: إن معناها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رأى زينب أعجبته ، وتمنى أن يطلقها زيد ، وأخفى في نفسه هذه الأمنية ، وأنه كان يأمر زيدًا بإمساكها مجاملة .
ولكن هذا التفسير قد رد عليه كثير من علماء السلف :
قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى الله عليه وسلم ، و ما الذي كان يخشاه من الناس: و هذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، و هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي و غيرهم . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد و ربما أطلق بعض المُجّان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . الجامع لأحكام القرآن (14/191) .
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها ، و قد روى الإمام أحمد هاهنا أيضاً حديثاً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً . تفسير القرآن العظيم (3/491).
وقال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : و وردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها . فتح الباري (8/524).
و هناك ثُلّة كبيرة من علماء الإسلام في العصر الحاضر تفطنوا لمثل هذه الأخبار ، و رمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل خطيرة لا تليق بمقام الأنبياء ، فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب عن هذه الآثار الدخيلة ، فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ الفكر الإسلامي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تشويه الحقائق التاريخية في تراث الإسلام .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا : وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ، و يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زوراً و بهتاناً . محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص 275) .
ولو كان هذا صحيحًا لكان فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق به مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا ، ولكن هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ، ولا يتسم به الأتقياء ، فكيف سيد الأنبياء.
إن الحكمة في زواج النبي – صلى الله عليه وسلم – بالسيدة زينب هو إزالة حرمة التبني وإطبال سنته ، وإلى ذلك أشار – سبحانه – في آخر الآية بقوله : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}[الأحزاب:37].
و خلاصة الأمر ..
كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس و ثلاثين . ابن سعد في الطبقات (8/114).
روى البخاري في صحيحه ( برقم 7420) : أن زيداً جاء يشكوا زوجته ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قالت عائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً ، لكتم هذه ، فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : زوجكن أهاليكن ، و زوجني الله من فوق سبع سماوات
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}[الضُّحى:7].
فالمعنى : وجدك متحير ًا في بيان ما أنزل إليك ، وفي كيفية إرشاد الناس وتبليغهم فهداك لذلك.
رابعًا : شبهة نسبة الذنوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
ومن ذلك ما يثار من شبهة حول نسبة الذنوب إلى مقامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك قوله – تعالى - : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}[الفتح:2].فمقصد الآية : أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب إن لو كان ، أما أمره تعالى لنبينا – صلى الله عليه وسلم – بالاستغفار ، وكونه – صلى الله عليه وسلم – يصرح بذلك ، ويدعو به ويسأله من الله ، فهذا من كمال تواضعه – صلى الله عليه وسلم – ومن كمال إقراره بالعبودية الكاملة ، وبحاجته إلى ربه ، وافتقاره إليه ، وعدم استغنائه عن فضله .
وينبغي للمسلم ألا يسارع إلى القول بجواز وقوع الذنب منه – صلى الله عليه وسلم – لمجرد رؤيته لبعض النصوص التي فيها الإقرار منه صلى الله عليه وسلم بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى والخوف منه ، فيقع في سوء الاعتقاد ، وفساد الرأي ففى بادئ الأمر ، نجد أن هناك أسساً تحسم هذا الموضوع فى بدايته:-
1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم هو المصطفى، الذى اصطفاه الله علىجميع الخلق؛ وأن الرسل متساوون فى الرسالة، ولكنهم متفاوتون فى المرتبة .
2- أن النبى - صلى الله عليه وسلم - فضل على الأنبياء بخصائص كثيرة .
3 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - معصوم قبل النبوة وبعدها ، معصوم من الذنوب ومعصوم من العادات السيئة التى كانت منتشرة فى الجاهلية.
4 - أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خفى عنهم بعض أحوال الدنيا لماغلب على قلوبهم من عظيم مشاهدة جلال الله تعالى ، فغابوا بذلك عن تدبيرهمللكون.
أما نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد انتهى به الأمر إلى أن صار يدبر أمر الدنيا.
5- أن النبى صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد وصاحب المقامالمحمود وجمع له من المعجزات ما يتناسب مع كونه خاتم الأنبياء وكونه الأسوةالحسنة.
• لهذا فإن كل ما ورد من قرآن أو حديث يخالف هذه الأسس ، فلا بد وأن يكون لها مقصد خلاف ظاهرها أو يحتمل اللفظ عدة معانى.
مثال ذلك : {ووجدك ضالاً فهدى}.
هل الضلال هنا ما هو مشهور أنه الشرك أو ضلال السلوك أو العقيدة ؟فحين ننظر إلى اللغة العربية نجد أن الضلال يأتى بمعانى متعددة منها:-
- غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة فأرشدك إليها بنزول الوحى ؛ فيكونالضلال هنا بمعنى الغفلة والدليل قوله تعالى :{لا يضل ربى ولا ينسى} [ طه : 52 ].
- أو وجدك بين قوم ضُلال فهداهم الله بك.
- أو وجدك متحيراً عن بيان ما نزل إليك فهداك إليه ويكون الضلال هنا بمعنى الحيرة.
- أو وجدك محباً للهداية فهداك إليه ؛ ويكون الضلال هنا بمعنى المحبة.
والدليل قوله تعالى : {إنك لفى ضلالك القديم}.
وهكذا نجد أن اللفظ القرآنى أحياناً يحتمل عدة معانى تتطلب أن يكون المفتى بشأنها خبيراً بدقائق معانى اللغة العربية.
وحين يريد القارئ للقرآن أن يتفهم معنى جملة أو آية، فلا بد أن يكونذلك فى إطار الأسس الرئيسة التى تحكم عقيدة المسلم والتى بنى عليها القرآن.
6 - أن الله تعالى جعل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة.
قول تعالى :{لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة}، فهل يتصور المؤمن أن يكون الرسول أسوة فى المعاصى والذنوب، أنه - صلى الله عليه وسلم - لو عصى ، لو أذنب ، لو شك ، لكانفى هذا العصيان أو الشك أسوة لجميع الأمة، وكان واجباً عليهم الاقتداء به فى ذلك؟.
والذى يفهمه الإنسان بالفهم المستقيم ، أنه تعالى ما دام جعله أسوة حسنة ، فلا بد أن يكون حفظه من كل ما يشوب هذه الأسوة من شوائب.
7 - أن الله جعل نبيه محمدا– صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين ؛ الأسوة الحسنة ؛ وهذا يتطلب أن يكون هذا النبى قد حاز الكمال : الكمال فى شخصه، الكمال فى خلقه ، الكمال فى معجزته ، حتى إذا ما ضل الناس، يجدون لهم ملجأ يلجئون إليه فيردهم إلى الخيروالرشد ؛ ما دامت النبوة قد انقطعت ، وما دام صلى الله عليه وسلم كاملاً ،فكيف يقبل العقل أن يعصى ربه أو يشك فى رسالته ؟.
وعليه أن يعلم أن درجة الأنبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه ما يحملهم على الخوف منه جل وعلا ، والإشفاق من المؤاخذة بما لم يؤاخذ به غيرهم .
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَلَكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ ولَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، ولَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الراجـــــي عفو ربه
الدكتور : أحمد عبده عوض
فإن عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر لا خلاف عليه ، حيث يقول – تعالى – في شأن عنايته برسوله – صلى الله عليه وسلم - : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين}[المائدة:67].
ويقول – تعالى - : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم}[الطور:48].ويقول : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد}[الزُّمَر:36].
وتشير كتب السنة إلى حفظ الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – وإلى عصمة قلبه من الشيطان ، ومن الخواطر السيئة التي تأتي على قلوب البشر، وقد عصمه الله تعالى بالعلم واليقين والحكمة ، وينتفي عنه الجهل صلى الله عليه وسلم – أو الشك ، أو الارتياب.
وها نحن الآن نتناول بعض الأمور التي تقوَّل فيها بعض الناس على النبي – صلى الله عليه وسلم - وسنتناول هذه النقاط بشيء من التفصيل فيما يلي :
أولًا : مسألة الشك ومناقشتها :
يقول الله تعالى : {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[يونس:94].
فهم بعض الناس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – شك فيما أوحي إليه ، وقالوا: إن السورة نفسها ( سورة يونس) فيها ما يدل على هذا التأويل في قوله – تعالى - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين}[يونس:104].
وقوله – تعالى - : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزُّمَر:65].
وهناك تأويلات كثيرة للرد على هذا الفهم ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يخالف أمر ربه ، ولا يتقول على الله ما لا يجب ، ولا يضل قلبه ، ولم يكذب فؤاده صلى الله عليه وسلم - .
والمعنى – والله أعلم – أن الله – تعالى – يريد إعلام النبي – صلى الله عليه وسلم – بما بعث الله به الرسل ، وأنه تعالى لم يأذن في عبادة غيره لأحد ردًّا على مشركي مكة الذين قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[الزُّمَر:3].
وربما كان المراد أن الله تعالى يطلب من نبيه أن يسأل لكي يزداد طمأنينة وعلمًا على علمه ويقينه.
وقيل: إن كنت تشك فيما شرفناك وفضلناك به فاسألهم عن صفتك في الكتب ، وعن فضائلك المذكورة في الكتب السماوية .
وليس المراد أبدًا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشك فيما أوحى الله تعالى إليه ، وإنما المعنى أن الله تعالى يريد لنبيه أن يتثبت بغيره على طريقة قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:59].
أما قضايا التوحيد والشريعة ؛ فإنها لا تحتمل أي شك.
وفي الإطار ذاته فإن الذين يتأولون على الله تعالى ، وعلى نبيه في فهم سقيم يفهمون قوله تعالى : { وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين}[الأنعام:35].
وهذا أمر باطل ، فإن أقل الناس إيمانًا لا يجهل أن الله لو شاء لجمعهم على الهدى ؛ فكيف برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وإنما المقصود هنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يتشبه في الأمر بما كان عليه الجاهليون ، وهو تأكيد لحقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغ الرسالة بكل جهده ، وجَهده راجيًا أن يهديهم الله ، والله - تعالى – يقول له : لا تتعجل ، فهذه مشيئتي ، وتلك إرادتي ، ولذا قال – تعالى - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين}[الأنعام:35]. يعني بحقيقة أمر الهداية ، وأنها بيد الله – سبحانه وتعالى .
ثانيًا : الأوامر والنواهي للنبي – صلى الله عليه وسلم – في القرآن الكريم :
هناك آيات في القرآن الكريم اشتملت على جانب الأمر للنبي – صلى الله عليه وسلم – الذي يفهم منه بعض الناس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يفعل بخلافه ، وذلك مثل قوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ }[الأحزاب:1] ومثل قوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }[التحريم:9].
ومثل قوله تعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}[الأعراف:199].
لا ينبغي أن يفهم من هذه الآيات أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يكن من قبل يأخذ بالعفو ، ويأمر بالعرف ، ولم يكن متقيًا ، حاشا وكلا، بل إن هذه الآيات وأمثالها الأمر فيها ليس للابتداء، أو الإنشاء، وإنما هو للاستمرار على الحال الذي هو عليه ، والبقاء على الوصف الذي هو به ، فكأنه يقول : يا أيها النبي استمر على تقواك ، واستمر على خلقك الزكي من الأخذ بالعفو والأمر بالعرف، والإعراض عن الجاهلين ، ومجاهدة الكفار.
ذلك لأنه – صلى الله عليه وسلم – متصف بهذه الأوصاف ، ومتحقق بها ، بل إن بعضها هي من صفاته الخلقية التي اشتهر بها قبل البعثة ، فقد كان حليمًا كريمًا عفوًّا آمرًا بالعرف ، معرضًا عن الجاهلين كل الإعراض، ومن ذلك قوله – تعالى - : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}[النساء:105].
هذه الآية نزلت في قتادة بن النعمان في شأن متاعه الذي سرق ، وقد اتهم ببني أبيرق من المنافقين ، واتهم جماعة من المؤمنين ؛ فعاتبه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة .
قال : فرجعت ، ثم نزلت الآية .
وظاهر قوله : (خصيمًا) يفيد أنه كان يريد أن يميل للخائنين ، ويخاصم عنهم ، وحاشا أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، وهو الأمين ، والأمانة وصفه من قبل أن يكون رسولًا ، وهو العفيف المعروف بالعفة والنزاهة.
وهناك آيات أخرى فيها نهي للنبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك مثل قوله – تعالى - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[الأنعام:114] أي : استمر على يقينك ، وإيمانك ، وبعدك عن الشاكين المترددين ، ومنه قوله – تعالى - : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِين}[يونس:106]أي : استمر على إخلاصك في دعائك واستمساكك بالله ، واعتصامك به ، وهذا كله من باب الحث له – صلى الله عليه وسلم – وليس معناه أنه يفعل ذلك.
وهناك آيات أخرى في القرآن الكريم تأتي على سبيل الافتراض ، وقد فهمها بعض الناس على أنها حقيقية ، ومنه قوله – تعالى - : {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}[يونس:94].
والمعنى هو ((إن فرض حصول الشك منك فاسأل الذين يتلون الكتاب)) ولكن ذلك محال، فلا يحصل ولن يحصل أبدًا .
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[الأنعام:116].
ومن ذلك قوله – تعالى - : { فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } [الشورى:24].
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزُّمَر:65]. فكل هذه الأمور افتراضيات محال وقوعها ، ولا يصح نسبتها إليه - صلى الله عليه وسلم – إذ لا يتصور عاقل مؤمن أنه – صلى الله عليه وسلم – يطيع من في الأرض ، وهو الذي أمر الله من في الأرض بطاعته ، قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[محمد:33].
ولا يتصور عاقل مؤمن أن يختم على قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – وهو الذي يختم على قلب من لم يؤمن به {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيم}[البقرة:7].
ثالثًا : قصة زواج زيد بن حارثة رضي الله عنه :
من ذلك قوله – تعالى – في قصة زيد بن حارثة : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}[الأحزاب:37].
فقد أخطأ بعض المفسرين في تفسيرها ، وقال: إن معناها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رأى زينب أعجبته ، وتمنى أن يطلقها زيد ، وأخفى في نفسه هذه الأمنية ، وأنه كان يأمر زيدًا بإمساكها مجاملة .
ولكن هذا التفسير قد رد عليه كثير من علماء السلف :
قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى الله عليه وسلم ، و ما الذي كان يخشاه من الناس: و هذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، و هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي و غيرهم . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد و ربما أطلق بعض المُجّان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . الجامع لأحكام القرآن (14/191) .
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها ، و قد روى الإمام أحمد هاهنا أيضاً حديثاً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً . تفسير القرآن العظيم (3/491).
وقال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : و وردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها . فتح الباري (8/524).
و هناك ثُلّة كبيرة من علماء الإسلام في العصر الحاضر تفطنوا لمثل هذه الأخبار ، و رمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل خطيرة لا تليق بمقام الأنبياء ، فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب عن هذه الآثار الدخيلة ، فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ الفكر الإسلامي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تشويه الحقائق التاريخية في تراث الإسلام .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا : وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ، و يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زوراً و بهتاناً . محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص 275) .
ولو كان هذا صحيحًا لكان فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق به مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا ، ولكن هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ، ولا يتسم به الأتقياء ، فكيف سيد الأنبياء.
إن الحكمة في زواج النبي – صلى الله عليه وسلم – بالسيدة زينب هو إزالة حرمة التبني وإطبال سنته ، وإلى ذلك أشار – سبحانه – في آخر الآية بقوله : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}[الأحزاب:37].
و خلاصة الأمر ..
كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس و ثلاثين . ابن سعد في الطبقات (8/114).
روى البخاري في صحيحه ( برقم 7420) : أن زيداً جاء يشكوا زوجته ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قالت عائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً ، لكتم هذه ، فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : زوجكن أهاليكن ، و زوجني الله من فوق سبع سماوات
ومن ذلك قوله – تعالى - : {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}[الضُّحى:7].
فالمعنى : وجدك متحير ًا في بيان ما أنزل إليك ، وفي كيفية إرشاد الناس وتبليغهم فهداك لذلك.
رابعًا : شبهة نسبة الذنوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
ومن ذلك ما يثار من شبهة حول نسبة الذنوب إلى مقامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك قوله – تعالى - : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}[الفتح:2].فمقصد الآية : أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب إن لو كان ، أما أمره تعالى لنبينا – صلى الله عليه وسلم – بالاستغفار ، وكونه – صلى الله عليه وسلم – يصرح بذلك ، ويدعو به ويسأله من الله ، فهذا من كمال تواضعه – صلى الله عليه وسلم – ومن كمال إقراره بالعبودية الكاملة ، وبحاجته إلى ربه ، وافتقاره إليه ، وعدم استغنائه عن فضله .
وينبغي للمسلم ألا يسارع إلى القول بجواز وقوع الذنب منه – صلى الله عليه وسلم – لمجرد رؤيته لبعض النصوص التي فيها الإقرار منه صلى الله عليه وسلم بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى والخوف منه ، فيقع في سوء الاعتقاد ، وفساد الرأي ففى بادئ الأمر ، نجد أن هناك أسساً تحسم هذا الموضوع فى بدايته:-
1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم هو المصطفى، الذى اصطفاه الله علىجميع الخلق؛ وأن الرسل متساوون فى الرسالة، ولكنهم متفاوتون فى المرتبة .
2- أن النبى - صلى الله عليه وسلم - فضل على الأنبياء بخصائص كثيرة .
3 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - معصوم قبل النبوة وبعدها ، معصوم من الذنوب ومعصوم من العادات السيئة التى كانت منتشرة فى الجاهلية.
4 - أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خفى عنهم بعض أحوال الدنيا لماغلب على قلوبهم من عظيم مشاهدة جلال الله تعالى ، فغابوا بذلك عن تدبيرهمللكون.
أما نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد انتهى به الأمر إلى أن صار يدبر أمر الدنيا.
5- أن النبى صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد وصاحب المقامالمحمود وجمع له من المعجزات ما يتناسب مع كونه خاتم الأنبياء وكونه الأسوةالحسنة.
• لهذا فإن كل ما ورد من قرآن أو حديث يخالف هذه الأسس ، فلا بد وأن يكون لها مقصد خلاف ظاهرها أو يحتمل اللفظ عدة معانى.
مثال ذلك : {ووجدك ضالاً فهدى}.
هل الضلال هنا ما هو مشهور أنه الشرك أو ضلال السلوك أو العقيدة ؟فحين ننظر إلى اللغة العربية نجد أن الضلال يأتى بمعانى متعددة منها:-
- غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة فأرشدك إليها بنزول الوحى ؛ فيكونالضلال هنا بمعنى الغفلة والدليل قوله تعالى :{لا يضل ربى ولا ينسى} [ طه : 52 ].
- أو وجدك بين قوم ضُلال فهداهم الله بك.
- أو وجدك متحيراً عن بيان ما نزل إليك فهداك إليه ويكون الضلال هنا بمعنى الحيرة.
- أو وجدك محباً للهداية فهداك إليه ؛ ويكون الضلال هنا بمعنى المحبة.
والدليل قوله تعالى : {إنك لفى ضلالك القديم}.
وهكذا نجد أن اللفظ القرآنى أحياناً يحتمل عدة معانى تتطلب أن يكون المفتى بشأنها خبيراً بدقائق معانى اللغة العربية.
وحين يريد القارئ للقرآن أن يتفهم معنى جملة أو آية، فلا بد أن يكونذلك فى إطار الأسس الرئيسة التى تحكم عقيدة المسلم والتى بنى عليها القرآن.
6 - أن الله تعالى جعل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة.
قول تعالى :{لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة}، فهل يتصور المؤمن أن يكون الرسول أسوة فى المعاصى والذنوب، أنه - صلى الله عليه وسلم - لو عصى ، لو أذنب ، لو شك ، لكانفى هذا العصيان أو الشك أسوة لجميع الأمة، وكان واجباً عليهم الاقتداء به فى ذلك؟.
والذى يفهمه الإنسان بالفهم المستقيم ، أنه تعالى ما دام جعله أسوة حسنة ، فلا بد أن يكون حفظه من كل ما يشوب هذه الأسوة من شوائب.
7 - أن الله جعل نبيه محمدا– صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين ؛ الأسوة الحسنة ؛ وهذا يتطلب أن يكون هذا النبى قد حاز الكمال : الكمال فى شخصه، الكمال فى خلقه ، الكمال فى معجزته ، حتى إذا ما ضل الناس، يجدون لهم ملجأ يلجئون إليه فيردهم إلى الخيروالرشد ؛ ما دامت النبوة قد انقطعت ، وما دام صلى الله عليه وسلم كاملاً ،فكيف يقبل العقل أن يعصى ربه أو يشك فى رسالته ؟.
وعليه أن يعلم أن درجة الأنبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه ما يحملهم على الخوف منه جل وعلا ، والإشفاق من المؤاخذة بما لم يؤاخذ به غيرهم .
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَلَكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ ولَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، ولَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الراجـــــي عفو ربه
الدكتور : أحمد عبده عوض
- اميرةمشرف قسم
- الجنس : عدد المساهمات : 683
تاريخ الميلاد : 01/01/1990
تاريخ التسجيل : 06/12/2012
العمر : 34
رد: حول آيات العتاب في القرآن الكريم
السبت 08 ديسمبر 2012, 10:35 pm
الف شكراا على الطرح المميز ديما فى تقدم
- طريق النجاحمشرف قسم
- الجنس : عدد المساهمات : 133
تاريخ الميلاد : 07/05/1997
تاريخ التسجيل : 08/12/2012
العمر : 27
رد: حول آيات العتاب في القرآن الكريم
الإثنين 10 ديسمبر 2012, 4:56 pm
شكرا لكم على المرور وبارك الله فيكم على المتابعة الرائعة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى